وطن بقلم الكاتبة المبدعة زينب كوزاد
وقف عصام واسند ظهره على الحائط وراءه ، ومد يده يتلمس بها قضبان السجن الحديدية .. اطلق تنهيدة طويلة وهو يرى زملائه في الدراسه بعضهم يجلس على الارض متربعًا ، واخر يضع رأسه في حجر صديقه عله ينعم ببعض النوم بعد ثلاثة ايام قضوها في تعذيبٍ مستمر ..
لمعتْ عيناه وهما تجوبان بينهم ، كيف لهم ان يضحكوا برغم الهلاك الذي يعيشوه ، وكيف انهم لايزالون متمسكين بما اطلقوا عليه اسم " الوطن " على الرغم من الخيبات التي لم تعد تحصى في كل مرة يتمسكون به ، ويتركهم وسط الطريق ..
لم يدفعْ احدٌ غَيرهم الثمنَ ، على كل كلمةِ "حرية" نَطقوها وعلى كل هتافٍ يصرخُ باسم "الشعبِ الواحد " رفعوه في ساحاتِ الاعتصام.. في النهايةِ لم يكنْ هنالك غيرهم في الساحة وكانوا هم الشعب الوحيد الذي طالبوا بأن يكون واحدًا ..
تحرك مبتعدًا عن الحائط حين جاء الضابط بوجهٍ يسوده الامتعاض وقال وهو يدخل المفتاح في قفل الزنزانةِ : افراج .
عادتِ الفرحةُ سريعًا لوجوههم المشوهة من كثر الضرب ، ودبتِ الطاقة باجسداهم فهمّوا متحشدين امام باب الزنزانة الى ان خرجوا الواحدَ تلو الاخر ..
كانَ عصامٌ اخر من خرج ، ومشى خلفهم في طابورٍ طويلٍ اقتاده الضابط الى غرفةِ المدير الذي استقبلهم بمقدمةٍ مليئةٍ بالتوبيخ واتهاماتٍ عن الخيانة وغدر الوطن ، وختمها باخراج ورقةِ تَعهُدٍ تُملي عليهم بعدم الخروج بأي اعتصام اخر .. وحين امضى عصام التعهد على الورقة نظر الى المكتوب بها وابتسم قائلًا في نفسه
"يعطوكَ الهواء مقابل الحريةِ
ويحرموكَ الشعب الواحد المتآخي ويعطوك بدله النزاع والحرب
ان مُتَّ فانت شهيد الوطنِ
وان عشتَّ فانت مواطنٌ بلا وطنٍ
وان اعترضت فانت عاصٍ للوطن "
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق