مقالة عن التسول بقلم الكاتبة زهراء الفتلاوي
التسول ظاهرةٌ خطيرةٌ انتشرتْ بكثرةٍ في المجتمع، فهناك من اعتبرها وظيفةً تٌمارس وتجلب له المال بطريقةٍ سهلة، ولا يهتم أنها تحيد لنفسه بمنظر الذل والإهانة بين الناس ما دام مكسبه مضمونٌ، فتجد بعض المتسولين شباب، أي أنه يمكنهم العمل في العديد من المجالات، إلا أنهم وجدوا أن التسول يُنتج لهم مبلغًا ماليًا قد لا يجدونه في بعض الوظائف.
المشكلة هي أن الأشخاص المحتاجين حقًا والذين دفعتهم ظروف الحياة القاسية إلى الخروج إلى الشارع ليطلبوا المساعدة، أنهم يتشابهون مع الأشخاص الذين استخدموا ظَاهرة التَسول كوظيفةٍ يومية ولا يرضون بما قسمه الله لهم، بل نظروا إلى من هم أعلى منهم، كما قال الله { بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }.
لقد تعدَّدتْ أساليب التسول، كاستغلال المرض والإعاقة أو تصنُّعهما، واستغلال الأطفال بطُرُقٍ تدفع الناس لتصديقهم وتقديم المساعدة إليهم، حيث تُشير دراساتٌ إلى أن نحو 95% من ممارسي التسوّل هم من الأطفال الذين يمارسونه تحت امر جماعاتٍ يُعرفون بالمُقاولين الذين يُرغمون الأطفال على التسول تحت غطاء بيع كُتيِّباتٍ دينية، أو حلوى، أو مناديل ورقيةٍ في الشوارع عند مفترق الطرق، وعند إشارات المرور، وأبواب المساجد، وحتى عند أبواب المقابر، ويظل المشهد مؤلمًا عندما تمتد يدٌ صغيرةٌ طلبًا للمال، بالإضافة إلى الضرر النفسي والجسدي الذي قد يتعرض له الطفل، وأيضَا فقد ساهمتْ هذه الظاهرة بكثرة الاختطاف.
ولا ننسى أهم أسلوبٍ في التسول وهو محاولة التستُّر بالهندام المهترئ، وقلة النظافة، وادِّعاء الجوع والحاجة، واستخدام الأدعية والألفاظ التي تدفع الناس لتصديقهم والتعاطف معهم ومساعدتهم.
ظاهرة التسوِّل من أقدم الظواهر التي يُعاني منها المجتمع، وتزداد إحصائية التسوِّل على مرِّ السنين فإنهم يُشكِّلون أعدادًا لا يُستهان بها، فحسب إحصائيات وزارة التخطيط للعام الماضي فإن نسبة العراقيين الذين يعيشون تحت خط الفقر هي 30% من السكان أي أن تعدادهم هو 12 مليون، وأيضًا لقد أدَّت هذهِ الظاهرة إلى نواتج سلبيةٍ كنشوء أضرارٍ خُلُقية وسلوكية واجتماعية وأمنية، من سرقاتٍ، ونشلٍ، وفساد أخلاق، وترويج مخدرات، ودعارة تحت ستار التسول، وانتشار نزوة الحصول على المال بأية طريقة مما يشجع على الكسل وعدم الرغبة في العمل.
لكن لا ننسى أن هناك الكثير من الحلول لتوقف ظاهرة التسوِّل، كفرض العقوبات الصارمة على جماعة المتسوِّلين وكلُّ من يقف خلفهم، وترغيب الناس بالعمل الشريف والرزق الحلال، وتأمين أنظمة رعايةٍ شاملة من قبل الحكومة لكبار السن والأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة؛ كي لا يُضطروا للجوء إلى التسوِّل فمن أهم شروط نهضة المجتمعات هو الرحمة بين أفرادها، وتحقيق التكافل الاجتماعي من خلال الزكاة المفروضة والصدقات الواجبة والصدقات التطوعية، وكما قال اللة في آيته الكريمة { لا يُغيـِّرُ اللهُ مَا بقـومٍ حتى يُغيـِّروا ما بأنفُسـهم } لنعلم أن التغيير يبدأ من الفرد، ولكن كما قال الشاعر عمرو بن معد لا حياة لمن تنادي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق