ميكانيكا الكم وخفاياها اعداد الدكتورة تقى منذر عبد حسب الله
قبل القرن العشرين كانت المفاهيم الكونية مُصاغة وفق قوانين نيوتن وكانت جميع القوانين الفيزيائية مفهومة للجميع وكان بإمكان الفيزيائيين تفسير أي تغير في الكون وأي ضاهرة غريبة فيه يمكننا تشبيه الكون سابقآٓ -قبل هذه النظرية - بنظام ضخم يعمل بدقة عالية كدقة الساعة لتقريب الكلام أعلاه من الذهن اذا أردنا تحديد الحركة المستقبلية لنجم معين في الفضاء فإنه وببساطة يجب علينا أن نعرف موضع وسرعة هذا النجم في لحظة معينة ويجب علينا أن نأخذ جميع التأثيرات الخارجية وبهذه الطريقة نستطيع أن نتنبأ بجميع التحركات المستقبلية لكل مافي الكون من الذرة الى المجرة
إستنادآٓ الى ماورد أعلاه ووفق قوانين الفيزياء الكلاسيكية فإن علماء الفيزياء يستطيعون أن يتنبأوا بحالة الكون المستقبلية وبالتالي فإن الصورة المستقبلية لكوننا ستصبح موجودة أمام أعيننا كصورة الماضي له الا أن هذه الصورة الجميلة والمثالية للكون لم تدم طويلآٓ لان قوانين نيوتن العظيمة لايمكن تطبيقها على عالم الذرات .
ومن هنا بدأت قصة نظرية الكم حيث قدم العالم الالماني ماكس بلانك تفسيرآٓ راديكاليآٓ للجمعية الألمانية في برلين حول طبيعة الضوء الصادر من الذرات التي تشكل جميع الأشياء في عالمنا الضخم بما فيه أجسامنا وكان تفسيره يقول الذرات لا تتحرَّك بشكل متصل، بل تتحرَّك بكميات منفصلة فقط، مثل المصعد الذي يتوقف عند أدوار معيَّنة. فلا يمكنك مثلاً التوقف عند الطابق الثالث والنصف أو الخامس والربع. هناك فقط أرقام محدَّدة يمكنك الوقوف عندها.
وعلى الرغم من أن نظرية بلانك كانت تتفق مع نتائج التجارب الفيزيائية ، إلا أنها كانت فكرة غريبة جداً في ذاك الوقت. بل إنها ثورة تمرُّد على قوانين الفيزياء الكلاسيكية المعروفة! فكيف يمكن أن تتحرَّك الذرات بكميات منفصلة فقط! إنه شيء ينافي فكرة الحركة المتصلة التي نشاهدها في حياتنا اليومية، والتي اتفق عليها جميع الفيزيائيين عبر العصور. لذلك، حتى بلانك نفسه لم يكن مقتنعا بأفكاره. وراح يبرهن على أنها خاطئة!
وبعد خمس سنوات من هذا التفسير وتحديدا عام 1905م نشر أينشتاين بحث برهن فيه على أن الطبيعة الذرية تتحرك بشكل قفزات فعلاً كما ادعى بلانك وتم نشر هذا البحث في نفس السنة التي قام بها بنشر النظرية النسبية الخاصة مما أدى الى اعادة القوة والثقة في نظرية بلانك وبعد ثمانِ سنوات من نشر أينشتاين لبحثه حسم نيلز بور الامر
في عام 1913م نشر نيلز بور ورقة علمية، اعتمد فيها على أفكار كل من بلانك وآينشتاين، طرح فيها نموذجاً متكاملاً للذرة تتخذ فيه الإلكترونات التي تدور حول النواة مدارات معيَّنة، بحيث لا يمكن أن يتواجد أي إلكترون بين أي مدارين. وإذا قفز أحد الإلكترونات من مدار إلى آخر فإنه يقفز بشكل كمي دون أن يمر في المنطقة التي تقع بين المدارين أثناء قفزه. لكن لماذا شعروا بأنها غريبة ؟ بسبب لو أن تم تطبيقها على أجسام ضخمة كالكواكب مثلآٓ إنه شيء غريب فعلاً! تخيل مثلاً أن يغير كوكب زهرة مداره بأن يختفي فجأة ويظهر في مدار آخر! ورغم ذلك، كانت كل الدلائل التجريبية تتجه ناحية تلك الفكرة بالفعل!
استطاع شرودينغر باستخدام ما يسمى المعادلات التفاضلية أن يشتق معادلته الشهيرة التي تحمل اسمه اليوم "معادلة شرودينغر" التي نقشت على قبره بعد وفاته. كانت المعادلة تصف الحركة الموجية للجسيمات الذرية ببراعة. لكن كانت هناك مشكلة في تفسير معنى تلك المعادلة! فقد بيّن ماكس بورن أن حل معادلة شرودينغر يُعطي فقط الاحتمالات التي من الممكن أن يتواجد فيها الجسيم الذري. أي إن المعادلة تخبرك فقط عن احتمال وجود الإلكترون على اليمين أو على اليسار أو على القمر أو في أي مكان في حال رصدك له بالتجربة. لكنها لا تخبرك بأي شيء عن طبيعة هذا الإلكترون نفسه! إذن هي نظرية احتمالات فقط! وهذا شيء مزعج تماماً.
لم تكن الفيزياء تسير بهذا الشكل. فماذا يحدث الآن؟ إن ميكانيكا نيوتن أو بشكل أشمل ما يسمى الميكانيكا الكلاسيكية لا تعطيك احتمال وجود الأرض حول الشمس بعد أسبوع من الآن، بل تعطيك العلم اليقين أين ستكون الأرض بعد هذه الفترة بالضبط. فماذا يحدث مع عالم الذرات هذا؟
لفهم هذا المبدأ دعنا نضرب مثلاً بسيطاً: لنفترض أن هناك كرة تتدحرج بسرعة معيَّنة، وقد طُلب منك أن تقيس تلك السرعة بدقة. ستقيسها بطريقة ما، ولنفترض أنك وجدتها تتدحرج بسرعة 40 كيلومتراً في الساعة. وإذا طلبنا من زميل لك أن يقيس السرعة أيضاً بدقة، فلا بد من أن يكون قياسه مطابقاً لقياسك أو قريباً جداً منه. ولو كررتما القياس ألف مرَّة فستتفق نتائجكما في كل مرَّة تقريباً طالما أنكما تتحريا الدقة. الآن، لو صغرنا كرة الغولف إلى حجم ذرة وطُلب منك أنت وزميلك أن تعيدا القياسات نفسها فهل ستتطابق النتائج؟ الجواب: لا، سيحصل كل منكما على نتيجة مختلفة! ولو ظللتما تكرران تلك القياسات مئات المرات فلربما تتفق نتائجكما مرَّة أو مرَّتين فقط! والسبب غريب: إن الذرة لا تملك أصلاً سرعة معيَّنة قبل أن تجري قياسك عليها!
خلاصة كل ما تقدَّم هو أنه لا يكون للذرة موقع ولا سرعة ولا أي كمية فيزيائية أُخرى معيَّنة قبل أن نجري تجربة لقياس تلك الكميات! إنها تمتلك كل المواقع وكل الحركات وكل الكميات الفيزيائية
انه مبدأ غريب جدآٓ مما جعل العلماء يقولون بحقه
نيلز بور “إذا قرأت ميكانيكا الكم ولم تشعر بشيء من الغرابة، فإنك حتماً لم تفهمها!". وقال عالِم الفيزياء المميز ريتشارد فاينمان: “ميكانيكا الكم هي النظرية التي يستخدمها الجميع ولا يفهمها أحد على الإطلاق".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق