مَعين الصَّبابات بقلم الكاتب المبدع ايمن حامد الجبوري
في ساعة لم أعرف بدايتها من ساعات تأملي في بستاني البعيد
عن المنزل؛ باغتتني سرعة نسج خيوط الظلام التي اعلنت حلول
الليل، وأكمل إلتباد السحب التي حجبت ضوء القمر مشهد الرعب
أمام عيني، ولكن سرعان ما قطع هذا المشهد شعاع أنار دائرة
وقوفي بالكامل مثيرا الدهشة في عقلي المتسائل عن مصدر هذا
السناء الذي حاكَ حبلين من ذهب ووضعهما بين يدي ليعرجا
بي إلى نقطة انبثاقه فوجدت عند وصولي أن هذه المشكاة هي أمي.
بدأت روحي الحوار قائلة: آه يا أمي، لازال قلبي يوصَبُ تيمناً
بوجع قلبكِ غداة البين، قلبكِ الذي تحول أنينه إلى أقفال موصدة
تحبس نيران الجوى داخل صدري، هذه النيران التي لو
اُخرِجَت لَإلتَهبت الدنيا بأسرها وأمست وكأنها وساكنيها لم يعرفوا
إلا الشقاء منذ أن خلقها الله.
أيا عين الدم التي نبعت من صدرك لتنبش قطراتها وجهي
ولاتزال تفسد علي كل شيء جميل توسمتُ به سعادة.
يا أمي ورغم كل هذا فأنا في تفائل يبدو أن سره هو غياب
طيف الشوق الحارق عن شعاعك هذه الليلة على غير العادة.
اقسم عليك بالبين والاحتياج الذين قاسيتهما في غيابك
أن لا تتركيني حتى تروي عطش روحي وتجبري كسر قلبي بحنانك.
ردت أمي قائلة:
يا صنو روحي أريد أن يكون قلبك قطعة بيضاء ناصعة
خالية حتى من بقع الحقد على على الم فقدانك لي، و!علم
أنك حين تستشعر قربي ستسبح روحك في بحر حناني دون
عناء، تعال لأضمك إلى قلبي لأزرع فيك القدرة على مواجهة
مصاعب الحياة.
كانت هذه الكلمات التي قالتها أمي كافية لتثلج صدري وتهدأ
نفسي وتسكن روحي وتتهلل اساريري فهرولت إليها مستبشراً
فاتحاً ذراعيَّ وما إن أوشكت يدي أن تلامس يدها حتى
ايقضني منبه الصباح لاستفتح ذلك اليوم بأزكى آيات الثناء
على هذه الليلة التي اغدقت علي بهناءة الرقاد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق