meta charset='utf-8'/>

قصة صاحب الحروف واللغة بقلم الكاتبة المبدعة صابرين صاحب

 


(ما أجمَل الذَهاب إلى الماضي وسَرقة بعض الذكرَيات)

تِلك العِبارة الصَغيرة كانَت خلف إحدى الصور المُعلقة في خزانةِ أبي رَحمهُ الله، لَم أكُن أعرف ماذا تعني؟ إلى يَومنا هذا، وهل كانت الذكرَيات، والماضي بتلك الأهمية لَهُم؟ لقد عاش والدي بين النِزاعات والحروب وتَوشَح برداء أهل الريف، وكانت روحَهُ تُغادر مع كل مُرتَحل إلى المدينة، لقد مَزج الرُقي والحضارة مَزج الأصالة، والتَحضُر، كان يَرتَدي ما فرضتهُ عليه القبيلة، لكنه كان جادًا بقلمه بين طَيات الصُحُف والمَجَلات حتى أصبَحَ مُحررًا.

في قريةٍ صَغيرة جنوبية، سَكَنَت تِلك العَوائل، ظروفًا معاشية صعبة، كان للنساء من الظُلم الحِصة الأكبر، كون الرِجال في السلكِ العَسكَري، تَولَت النساء التَربية والتَعليم، وتَوفير جميع مُستَلزَمات الحياة، بَزَغ نور صَغير من عُمقِ تلك المحطات الضائعة، بَزَغَ وهو يُحاول أن يؤدي رسالة مثل ما يُريد، بَزَغ يَحمل راية مُختلفة، ليس مثل ما يَحملهُ القطيع،

بَحث في أرجاءِ تلك القرية عن ضالتهِ،

لعل أحَدَهُم يَقرضهُ من العلمِ ما يُريد.

كانت الكُتب في ذلك الوقت عَصية المَنال، وغير مُتوفرة، يَتَوَفر مِنها إلا القَليل، لقد غزت أشعار الحُب الشَعبية الأسواق، وأصبَح الشباب يَتغَنون، بأشياءٍ واهية، أين شعر البحتري والمتنبي، أين شعر السياب والشريف الرضي؟ لقد كانت الفترة مُعتمة، وكان الأدب له الحُصة الأكبر

من تلك العِتمة.

أحضرَ قلمهُ ودوَّنَ القَليل دوَّنَ ظَلام تِلك الحِقبة، وتَدهوَرها دوَّنَ مَصائِب الشَباب، وانحِدارها، حاول في كُل الطُرق الوصول إلى مؤلِفات تُعيد إلى روحه الحياة، وتُعيد له القُدرة على الكتابة مثلًا، ما كان يَكتُب لقد تَغرَبت الحروف، ورَحَلت منهُ، كان أبي يُحاول يُحاول في كلِ مرةٍ ومرة، لكن لم تُسعفهُ الحروف، ولم يستطع إكمال ما كَتب، هل للحروف قُصة، وهل لرحيلِها سبب؟

أليس هُنالك علاج لتَشتُتِ الكتابة وهروب الأفكار، بَحث أبي في جميع المَكاتب العامة، واقتنى أفضَل الكُتب في ذلك الوقت، أراد أن يُكون تَغييرهُ مَلموسًا، وأراد لتلك البَذرة الصَغيرة في ذلك، البُستان القَديم أن تُثمِر، وتُصبح شَجرة يَستَظل بها جميع أطفال القرية.

كَتب في أولِ ورقة مَرت أيام الحرب، مَرت تلك السنين، وها نحن في المستقبل، وها أنا أرى بِزوغ فَجر جديد، بِزوغ وطن يُقدس الكتب والكتابة، ها هي الأصالة العربية تَعود، وها هي أوراقي القَديمة تُجمع في حُفر وتُترك على تلك الصَخرة، ويأخُذ من علمِها ويُستَنشق من عَبيرها الكثير، ها هي حُروفي أصبَحت سَبيل كُل ضائِع، ومَسلَك كُل مُحتاج، ها هي تُكَمل نفسها، ما هو السر؟ وإذا بنهايةِ الطريق فَتاة صَغيرة هَزيلة المَلامح تَجمَع تلك الأوراق وتُزيد فيها من حروفِها، تُعيد لها الحياة،

ها هو الأب يَقف بعيد ويَبتَسم، يَبتَسم، وهو يَعلم إن الأبجَدية لم تَهرُب مِنهُ، لكنها انتَقَلت عبر ذلك الحَمض النَووي، ولم تَبتَعد، وفيها ولاء إلى مَنبعِها.


صابرين صاحب

اهداء الى روح والدي صاحب محسن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق