أربَعينيةُ الحَق والحُب الحُسَيني بقلم الكاتبة المبدعة فاطمة رشيد الأسدي
قَال الله سُبحانه وتَعالى في مُحكَمِ كتابه العزيز: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ } [آل عمران :185]، هذه الآية دليلٌ على إبادةِ الحياة وفنائها ذات يوم لكل كائن بشري إلى حين قيام السّاعة، وهذا ما يتجاهله الّذين تشغلهم ملذّات الدّنيا وزينتها عن نعيم الآخرة ودوامها، ومنهم بنو أميّة الّذين كانوا يتسابقون على جَشع وحُطام الدّنيا لينالوا أملاكًا ومناصبًا فيها، وَعدهم بها مَلِكَهم الظّالم (لعنة الله عليه) مُقابل عدائهم لآل مُحمّد (صلوات الله عليهم)، لذا أعلنوا ذلك، وانتهى بهم الحِقد إلى مجزرة الطّف، في (١٠/محرّم/ سنة ٦١ ھہ)، اعتقدوا أنَّ سيوفهم ورماحهم ونبالهم انتصرت على أعناقِ "بَني هاشم (عليهم السّلام)"، إلّا أنَّ ما نشهده اليوم هو تحقيق لقولِ مولاتنا زينب "عليها السلام" حين خطبت في مجلس يزيد (لعنه الله) خطبتها الّتي تؤكد على فناء آرائهم، وأيامهم المعدودة، وتبدّد جمعهم، وأنهم لا يمحون ذكرَ مُحمّد وآل مُحمّد (صلوات الله عليهم)، ولا يَميتون وحيهم مهما جاهدوا وسعوا في ذلك، فالحُسين وأهل بيته وأصحابه المُنتجبين (عليهم السلام) خالدون، ويتجدد لهم عهد الولاء والحُب والنّصر من المسلمين (الشّيعة) وغيرهم الّذين يملكون ضمائر حيّة، وأرواحًا تسودها الانسانية والرّحمة لهكذا قضية، وهذا ما يتوثق للعالم في شهري المحرّم وصفر من كلّ عام، حيث تتوحد الهتافات والصّفوف، وتُرفَع الرّايات، وتُعلَن الشّعائر الحُسينية الثّابتة، و تُقام المآتم، وصولاً إلى زيارة الأربعين الّتي تُقام لكل متوفي بعد 40 يوم من وفاته، لترسم صور اليأس والحزن والانقطاع ثم النّهاية، إلّا أربعين الإمام الحُسين (عليه السّلام)، حيث يقصدون زيارته الملايين من المُوالين سيرًا على الأقدام، لإنّها مَسيرة عظيمة، تبدأ بالتأمّل، والشّوق، والصّبر، وتنتهي بالزّيارة والتّقرب إلى الله سبحانه، وهي ظاهرة روحية ودينية عالية تؤلف بين القلوب، وقد وردت الكثير من الأحاديث عن الأئمة المعصومين (عليهم السّلام) في فضلها، منها ما رُوي عن الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام) أنه قال: "علامات المؤمن خمس، صلاة إحدى وخمسين، وزيارة الأربعين، والجهر ببسمِ الله الرّحَمنِ الرّحِيم، والتّختم باليمين، وتعفير الجبين".
لذا يَسير في هذه المَسيرة المُباركة العليل والسّليم، الكبير والصّغير، الرّجال والنساء، من داخل العراق وخارجه، وهم تحت رعاية الباري عز وجل، الّذي يحفّهم بالملائكة داعية ومُسجّلة لهم خطواتهم، و صالح أعمالهم، وبالتأكيد متابع السّير معهم صاحب العصر والزّمان "المهدي المنتظر (عجلّ الله تعالى فرجه الشّريف)"، الّذي يستقبل زوار جده، مستبشرًا بقدومهم، ومواسيًا لهم على هول مصيبة مُحمّد وآل مُحمّد (صلوات الله عليهم)، و رغم أنوف الحاقدين ملبّين نداءات "لبّيك يا حُسين"، "هيهات منّا الذّلة"، و "أبد والله يا زهراء ما ننسى حُسينا"، قاصدين الزّوار قبلة العشق "كربلاء المُقدسة"، مواساةً لأهلِ البيت (عليهم السّلام)، وإحياءً لأمرهم، وإعلاءً لشأنهم، وتعجيلاً لفرجهم الشّريف، ونيلًا لرضا مولاهم سبحانه وتعالى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق